تمر الولايات المتحدة الأمريكية الآن بأزمة عصيبة هي الأولى من نوعها؛ حيث اتهمت وزارة الخزانة الأمريكية وكالة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتماني بأنها أخطأت في حساباتها 2000 مليار دولار في توقعات الموازنة التي استندت إليها لخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، والذي وصل إلى حد AA+ منخفضًا من مستوى “AAA”، نظرًا لما أعلنته الخزانة الأمريكية من رفع الدين العام إلى ما يفوق الـ 100% من إجمالي الناتج الداخلي فور إقرار الكونجرس برفع سقف الديون الفيدرالية، الذي كان نتاجًا لتخطي أمريكا الحدِّ المسموح به من الاقتراض، والذي يجب ألا يزيد عن 50% من حجم الناتج المحلي.
وفي هذه الأزمة فإن أمريكا رائدة الرأسمالية العالمية التي دعت إلى اقتصاد حر تجد نفسها اليوم مضطرة إلى التدخل في اقتصاديات القطاع الخاص لتنقذ نفسها من الهلاك، وتتخلى عن حرية التجارة وفرض القيود عليها على النحو الذي يتناقض مع المبادئ التي تنادي بها، وكذلك فإن الحرب أجبرت الإدارة الأمريكية على فرض قيود على الهجرة وحركة الأفراد وهذا معناه تخلي أمريكا عن أحد أهم ركائز العولمة وفرض القيود على الأسواق، وهذا معناه التخلي عن الليبرالية الاقتصادية.
هذه الأزمة أعادت طرح فكرة تطبيق النظام الاقتصادي الإسلامي باعتباره المخرج لمثل هذه الأزمات وهو ما ذهب إليه “بوفيش فانسون” رئيس تحرير مجلة “تشالينجز” والذي كتب موضوعًا بعنوان (البابا أو القرآن) أثار موجة عارمة من الجدل وردود الأفعال في الأوساط الاقتصادية، فقد تساءل الكاتب فيه عن أخلاقية الرأسمالية ودور المسيحية كديانة والكنيسة الكاثوليكية بالذات في تكريس هذا المنزع والتساهل في تبرير الفائدة، مشيرًا إلى أن هذا النسل الاقتصادي السيئ أودى بالبشرية إلى الهاوية، وتساءل الكاتب بأسلوب يقترب من التهكم من موقف الكنسية ومستسمحًا البابا بندكيت السادس عشر قائلا: “أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلاً من الإنجيل لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري.
كما طالب “رولان لاسكين” رئيس تحرير صحيفة “لوجورنال دفينانس” بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية في المجال المالي والاقتصادي لوضع حد لهذه الأزمة التي تهز أسواق العالم من جرَّاء التلاعب بقواعد التعامل والإفراط في المضاربات الوهمية غير المشروعة، كما رأى رئيس غرفة التجارة الفرنسية العربية ووزير الخارجية الفرنسي السابق “هيرفيه دوشاريت” أن “استيراد” المعاملات الإسلامية يهدف لتمكين الاقتصاد المحلي من الاستفادة من السيولة النقدية التي يملكها المستثمرون المسلمون.
Comments are closed.