ليس في الملاهي الليلية وحدها تنشط الدعارة. فالشقق المفروشة، الفنادق، شاليهات البحر، وحتى الطرقات… كلّها باتت أماكن تعج بفتيات الهوى ومسهّلي الدعارة. يبدأ اللقاء في مكان السهر لينتهي على سرير ما في أحد الأماكن المذكورة. هنا لبنان حيث الدعارة لا تكافح بذريعة «تشجيع السياحة الجنسية»
رضوان مرتضى
الدعارة في لبنان متوافرة للجميع. الأسعار تناسب الفقراء والأغنياء على حد سواء. تبدأ بعشرة دولارات للعملية الجنسية على الطرقات، لتتجاوز المئتي دولار في الفنادق للساعة الواحدة. وفي بعض الأحيان، يلامس السعر ثلاثة آلاف دولار، تبعاً للزبون والمواصفات التي يطلبها، لجهة كون «بائعة اللذة» عارضة أزياء أو مطربة في أحد الأماكن.
الجولة الميدانية تُظهر أن كل الأوقات والأماكن مناسبة لعمل فتيات الهوى. إلى أوتوستراد خلدة يتوجه الباحثون عن الجنس الرخيص. هناك تجد من يعرفن بـ «النوريات». فما أن تتوقف سيارة أحد المارة حتى تسارع إحداهن إلى الإقتراب لعرض خدماتها الجنسية. تتنافس الفتيات المتشحات بالأسود أو البني في إغراء الزبون، فتشمل المنافسة خفض السعر ليصل في بعض الأحيان إلى عشرة آلاف ليرة للممارسة الواحدة. يقول أحد المترددين إلى منطقة خلدة لأغراض جنسية: «إذا كنت من الزبائن الدائمين لديها وصادف أنك لا تملك المال، فبإمكانك أن تستدين ممارسة جنسية، تدفع ثمنها لاحقاً في أول الشهر».
على الطريق
خلدة ليست المقصد الوحيد لطالبي الجنس الرخيص. فعلى طول الأوتوستراد الممتد بين بيروت وجبيل تجد فتيات يعرضن أجسادهن مقابل عشرين أو ثلاثين دولاراً للممارسة الواحدة. تعمل بعض هذه الفتيات لحسابها الخاص، فيما يشرف «قوّادون» على معظم الفتيات. ويشاركونهن في مداخيلهنّ مقابل توفير الحماية.
ظاهرة «فتيات الطريق» الباحثات عن زبائن يبعنهن اللذة انخفضت عما كانت عليه في السابق. وبذلك، نشط العمل لدى العاملات في الشقق المفروشة. هنا يصطاد «القوّاد» زبونه في إحدى السهرات. يصطحبه الى واحدة من تلك الشقق ليعرض عليه «تشكيلة» الفتيات. الجنسيات متنوعة: هناك المغربية والسورية والتونسية واللبنانية. الأسعار تختلف تبعاً لعمر المومس وجنسيتها ومواصفاتها، لكن التسعيرة المعتمدة في الغالب تبدأ من مئة دولار للساعة الواحدة، تضاف إليها الإكرامية التي تختلف تبعاً لشطارة كل فتاة. وبذلك يتراوح المدخول اليومي لكل فتاة بين 200 و 1000 دولار، فيلامس المعدل الشهري لراتبها في أقل التقديرات الـ 4 آلاف دولار.
إضافة إلى الشقق المفروشة، هناك الملاهي الليليّة المعروفة بـ «سوبر نايت كلوب». تجد فيها فتيات أجنبيّات غالبيتهنّ من دول أوروبّا الشرقية قدِمن إلى لبنان بسمات دخول على أساس أنّهنّ «فنّانات». تساير هذه الفتيات الزبائن في المرحلة الأولى التي تبدأ بفتح زجاجة شمبانيا مقابل 100 ألف ليرة. فتكون بمثابة دفعة أولى تُحجز بموجبها الفتاة في اليوم التالي لهذا الزبون كي يمارس الجنس معها بعد الاتّفاق على السعر.
مكتب حماية الآداب
حكاية الدعارة في لبنان قديمة قدم هذه المهنة. أو على الأقل، منذ قوننة هذه المهنة عام 1931، وقد سبق التطرق إليها إعلامياً مئات المرات، لكن انتشارها مؤخراً اتسع إلى الحدّ الذي بات فيه السؤال عن حقيقة مكافحتها أكثر من ضروري.
فالمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي تفرز قرابة 25 عنصراً وضابطاً يؤلفون معاً ما يعرف باسم مكتب حماية الآداب. تلقى على كاهل هذا المكتب مسؤولية مكافحة الدعارة باختلاف أنواعها على كافة الأراضي اللبنانية. المهمة تكاد تكون مستحيلة، ففضلاً عن النقص في العديد، فإن عناصر المكتب، أصلاً، غير مؤهلين للتعامل مع التقدم التكنولوجي والوسائل التي بات العاملون في مجال الدعارة يتفننون باستخدامها.
رقعة انتشار الدعارة في لبنان تتسع. يزدهر موسمها خلال الأعياد ومواسم الصيف. ويزدهر معها عمل عناصر مكتب حماية الآداب المكلّفة صون الآداب العامة، فتكثر التوقيفات في بعض الأحيان ليصار إلى ختم فنادق ومراكز تحتضن عمليات دعارة أو أفعالاً منافية للحشمة بالشمع الأحمر . هنا تطرح إشكالية من نوع آخر. إذ ما أن تُقفل هذه المراكز حتى يُعاد فتحها تحت مسميات أُخرى بعد أن يحصل شاغلوها على قرار قضائي برفع الشمع الأحمر.
بغاء محصّن
هنا يُلاحظ أن معظم أوكار الدعارة التي تُقفل بالشمع الأحمر يعاد فتحها بأمر قضائي. ورغم استمرارها في نشاطها، إلا أن القضاء يمنح هذه المراكز الحق بإعادة فتحها من دون التأكّد من وجهة عملها. وهذا يطرح ضرورة السعي إلى إيجاد وسيلة تمنع هؤلاء من المضي قدماً في بيع الهوى.
وفي هذا السياق، يؤكد مسؤول أمني أن معظم الأماكن التي تضبط فيها أفعال بغاء، يتبين لدينا أنه سبق أن دُهمت وأُقفلت بالشمع الأحمر، لكنّ مالكيها عادوا واستحصلوا على قرار قضائي بإزالة الشمع الأحمر باعتبار أنهم توقّفوا عن ممارسة الأفعال غير المشروعة فيها.
وتجدر الإشارة إلى أنه منذ بداية السنة الحالية، حرّر العاملون في مكتب حماية الآداب 52 محضراً بحق مشتبه فيهم ضُبطوا متلبّسين. أما حصيلة التوقيفات فبلغت 70 موقوفاً توزّعوا بين جرم ممارسة الدعارة وتسهيلها.
لم يعرّف القانون اللبناني جريمة الدعارة تعريفاً واضحاً وصريحاً على الرغم من تجريمها والمعاقبة عليها بمقتضى المواد من 523 حتى 530 من قانون العقوبات. إلا أنه يمكن من خلال هذه المواد تعريف الدعارة بأنها إقامة علاقات جنسية سرية غير شرعية لقاء الحصول على مبالغ مالية؛ أي أن يكون الهدف من تلك الممارسة الجنسية السرية هو الكسب المادي. ويعاقب القانون اللبناني على تعاطي الدعارة، وعلى تسهيلها، وعلى الحضّ عليها، وعلى الإكراه عليها باستعمال الخداع أو العنف أو التهديد أو النفوذ أو غير ذلك من وسائل الإكراه، وعلى اعتمادها وسيلة لكسب المعيشة.
وتنص معظم المواد المذكور على عقاب كل من تعاطى الدعارة السرية أو سهّلها بالحبس من شهر الى سنة وبالغرامة من 50 ألفاً الى خمسمئة ألف ليرة، كما يشار إلى أن قانون العقوبات اللبناني يعتبر ممارسة الدعارة جنحة حيث لا يتم توقيف المرتكب لأكثر من شهرين، الا إذا كان المستغل قاصراً، عندها تتحول الجنحة إلى جناية.
أكثر من 50 ألف عامل في البغاء بلبنان
يذكر مصدر مسؤول في قوى الأمن الداخلي توقيف أكثر من ألف مشتبه فيه ومشتبه فيها، في العام الماضي، بتهم البحث عن زبائن، وتحرش واعتداء جنسي، وتسهيل وممارسة الدعارة، واشتباه بالدعارة، والزنى والاغتصاب وأعمال منافية للحشمة وأفلام خلاعية، في حين كان العدد في عام 2010 نحو 758 موقوفاً وموقوفة. وتشير معلومات العارفين في قوى الداخلي إلى وجود أكثر من 50 ألف عاملٍ في البغاء على الأراضي اللبنانيّة.
Comments are closed.