عشان لازم نكون مع بعض

انتهى رمضان، وكان لا بد من التورط فى عملية التقييم السنوى لكل ما عرضته الشاشات خلال هذا الشهر وهو أمر مرهق الصراحة، لكن هنعمل إيه؟

كان أنجح عمل درامى خلال الشهر الكريم هو مسلسل إحالة المشير والفريق عنان إلى التقاعد، عمل درامى به غموض «رقم مجهول» وإثارة «طرف ثالث» وفى الوقت نفسه بساطة «الخواجة عبد القادر»، عمل درامى حقق نجاحًا شعبيًّا أكبر من «الزوجة الرابعة»، وقوبل بكمية قلاقل أكبر من التى واجهت مسلسل «عمر»، عمل قسم الجمهور إلى ثلاثة أصناف، الأول يرى أنه مجرد تطور متوقع للصراع على السلطة وأن العسكر كانوا بصدد تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية إلى 12 قرشًا فى الدقيقة، وبينما هم مشغولون بعمل «الإعلان» المكمل يبدو أن «الديكوور وقع عليهم»، وصنف جعله هذا العمل الدرامى يرى مرسى فى مرتبة «سيدنا السيد»، وصنف رأى أن الأمر كله مجرد تنويعة على فكرة «زمن الإخوان».

بمناسبة زمن الإخوان، كل يوم كنت أفكر أن أكتب مقالًا أهاجم فيه طونى خليفة، متسائلًا مع احترامى «إيه دخل مذيع لبنانى بحياتنا إلى هذه الدرجة»، على الرغم من أننى قلت فى الشيخ صفوت حجازى ما قاله مالك فى الخمر، فإننى تعاطفت مع حجازى وهو أسير طونى، كنت أود أن أخترق الشاشة لأقول لطونى «وانت مالك.. هو عاجبنا كده، اطلع انت منها»، كل مرة كنت أهم بمهاجمة طونى أتذكر أن برنامجه كان ساخنًا ونموذجًا لنوعية برامج اختلط فيها المجهود بالنميمة والتركيز والإخلاص فى العمل بالإثارة، ثم أقول لنفسى «وهو يعنى المصريين عملوا إيه ناجح كده عشان نقفل الباب على اللبنانى؟»، كلما هممت بمهاجمته تذكّرت برنامج «(لا تراجع ولا استسلام) للزميل مجدى الجلاد»، فأتراجع وأستسلم لمتابعة طونى.

خلال رمضان جاءت تعيينات رؤساء تحرير الصحف القومية نسخة من الطريقة التى شكّل بها عادل إمام «فرقة ناجى عطا الله»، مجموعة متنافرة، محيّرة، لا تشبه بعضها، ولا يجمعهم شىء واحد، لكن إذا وضعتهم إلى جوار بعضهم سيخدمون هدفًا معيّنًا، وأغلب الظن أن نقبهم هيطلع على شونة فى نهاية الأمر، إذ سيضطرون بعد انتهاء مهمتهم إلى التنازل عن أى مكاسب حققوها ليبدؤوا من الصفر، بالضبط مثلما فعل إمام والفرقة فى نهاية الحلقات.

تم إيقاف قناة «الفراعين» عن العمل وإحالة رئيس تحرير «الدستور» إلى التحقيق بالتزامن مع بدء عرض مسلسل «خطوط حمراء»، وهكذا أصبح النظام الجديد فى طريقه لأن يكون ضيفًا على برنامج «الخطايا السبع»، الدفاع عن «الفراعين» وما يشبهها أمر محرج للغاية، نظرًا إلى سوء سمعتها المهنية، لذلك هناك مَن فضّل «الهروب» من إبداء الرأى فى المصادرة، لكن من وجهة نظرى الدفاع عن المبدأ لا بديل عنه وإلا أصبحت الحكاية هيصة بلا رابط، وإن كان الدفاع سيعرّض الواحد لهجوم لا يقل لزاجة عن مقدم برنامج «أنا والعسل».

لكن قبل أن تهاجم، دعنى أشرح لك وجهة نظرى المستقاة من إعلان أحمد مكى الذى اشتكى فيه من إصابة، فطلب إجازة، فقالت له مديرته «فيه حد يشرخ قبل ما يبلك؟»، والسؤال مستوحى من عالم كمال الأجسام (قديمة قوى كمال الأجسام دى).. أقصد من عالم البودى بلدنج، حيث ينص قانون بناء العضلات على أن تصنع العضلة فى البداية وتحولها إلى «بلوك» ثم تبدأ فى تشريخ هذا البلوك لتصنع منه تقسيمًا جماليًّا يجعل العضلة جذّابة، ومن المستحيل أن تقوم بتمارين التشريخ قبل صناعة البلوك وإلا فلن تصنع شيئًا سوى الإصابات.

النظام الجديد (شرّخ قبل ما يبلك)، فقبل المحاكمة أو المنع أو التحقيق لا بد من وجود قانون ونظام للمساءلة، ومنذ بداية الثورة كتبت أنا وغيرى عشرات المرات عن أهمية وجود ميثاق عمل إعلامى ينظم المهنة، أصولها وقواعدها وعقوباتها، بحيث لا يشكو أحد إذا ما خالف هذا الميثاق، وبحيث لا يبدو الأمر شخصيًّا، وبحيث يكون الجميع تحت طائلة قانون واضح، سواء كان مؤيدًا أو معارضًا، حتى مفهوم إهانة الرئيس يحتاج إلى أن يكون مشروحًا فى هذا الميثاق، فنشر صور القمامة فى كل شوارع القاهرة إهانة للرئيس مثلها مثل التشكيك الشفهى فى قدراته ونياته، وتهمة التفرقة وإشاعة التضليل لو طبّقت بالعدل لكان الأحق بالمنع قنوات تهلل للرئيس كذبًا ومذيعين يفسخون (بالسين) المجتمع مثل مذيع قناة «الناس» إياه، الفكرة أن تضع القانون والنظام فتبدو الأمور واضحة وتغلق تمامًا باب التأويل والشبهة فتخدم نفسك وتخدم الإعلام وتخدمنا وترحم الجميع من الشك والمزايدة والتعاطف الأعمى أو الهجوم الأعمى أيضًا.

كان الزمالك خلال رمضان والعيد مربكًا كعادته، جماهير الزمالك أصبحوا نسخة من جماهير «رامز ثعلب الصحراء» يحرصون على متابعته ويسبون له الملة فى الوقت نفسه من التتر إلى التتر، كان مفترضا أن يواصل المعلم حسن شحاتة مسيرته مع الفريق إلى أن ضرب أبو تريكة «كرسى فى الكلوب» جعل شحاتة ينسحب بعد أن أقر بفشله مع هذه اللّعيبة على الرغم من توسّلات ممدوح عباس له بالاستمرار قائلا «فشل إيه؟ لأ، ماتقولش كده على نفسك إنت جميل، أكيد إحنا عملنا حاجة»، المعلم -الذى أحبه- جميل بالفعل، لكن كل شىء جميل له نهاية حتى «حكيمو» فى مسلسل «شربات لوز».

رمضان كريم قوى قوى مع نفسه مهما كانت تماحيك بيبسى لعمل الخير، رمضان كريم ليست كلمة تهنئة ميكانيكية، بل سر عظيم محظوظ من ينكشف له السر فى لحظة عابرة ربما فى لحظة فقدت معناها من فرط تكرارها فى عشرات الرمضانات، اليوم ورمضان على بعد خمسة أيام منك وقبل أن تنسى أدعوك إلى أن تستعيد أيام الشهر على مهل لتمسك باللحظة التى كان كريمًا معك فيها، ستمسك بواحدة على الأقل، تؤكد لك أن كل أيام ربنا جميلة، لكن هذا الشهر تحديدًا من لحم ودم.

عمومًا، كل سنة وحضرتك طيب، واللهم بلّغنا رمضان القادم كما يقول الشاعر نصر الدين ناجى «مع بعض.. شايلانا نفس الأرض.. عشان بكرة اللى مستنى ومش عايز يفرق حد».

مقال بقلم:عمر طاهر

Comments are closed.