مسلسل «فرقة ناجي عطا الله».. يثير الحديث عن أخطاء تجعل تل أبيب حارة مصرية

عادل امام

لن يغير بث ما بقي من حلقات مسلسل «فرقة ناجي عطا الله»، كثيرا في الاستنتاجات التي يمكن بناؤها على ما بث منه حتى الآن.. والعديد من الأعمال الدرامية العربية يقرأ من حلقاته الأولى، على أية حال.

فكرة المسلسل عممت، مسبوقة ومتبوعة ومتضمنة في برومو تسويقي، ومقابلات وتصريحات صحافية وأخرى متلفزة، وفتحت شهية عشر قنوات تلفزيونية عربية تسابقت على شرائه. كما أتاحت 11 حلقة بثت حتى كتابة هذه السطور، الفرصة للتعرف على أسلوب المعالجة، والإخراج وأداء الممثلين، وبقية عناصر إنجاز هذا العمل الأكثر تكلفة في تاريخ الإنتاج التلفزيوني العربي (90 مليون جنيه مصري، أي ما يقرب من 15 مليون دولار أميركي). المسلسل من بطولة عادل إمام (ناجي عطا الله)، ومحمد إمام، ونضال الشافعي، وأحمد صلاح السعدني. ومن تأليف وسيناريو يوسف معاطي، وإخراج رامي إمام.

تقوم فكرة المسلسل، الذي جاء بعد غياب «الزعيم» 30 عاما عن التلفزيون، على مغامرة بوليسية، يجري تحميل الصراع العربي – الإسرائيلي على أكتاف خطها الدرامي المتشابك والصاعد بتكاسل. المغامر البطل، ناجي عطا الله (عادل إمام)، دبلوماسي متقاعد يعمل في السفارة المصرية في تل أبيب.. تستفز مشاعره المواقف الإسرائيلية.. يظهر معارضة علنية لها.. يتدخل جهاز الشاباك (المخابرات العامة)، ويتم تجميد أمواله في بنك «ليئومي» في تل أبيب.. يترك الدبلوماسي العجوز عمله.. يغادر تل أبيب، ويقرر العودة إليها بهدف الانتقام من خلال سرقة بنك «ليئومي».

الحلقات الأولى، قدمت تفاصيل كثيرة في حياة الدبلوماسي المصري اليومية في تل أبيب.. نتعرف من خلالها، على الإسرائيلي اليهودي. شخصية نمطية لا تختلف عما ألفناه في عدد من المعالجات الدرامية العربية. أما المدينة نفسها، فتقدمها لنا مشاهد رسمت وفقا لتصور ذهني عنها. نبلغ أن في إسرائيل، «حاجات ممنوعة منعا باتا، زي الجمبري، والكابوريا، والقراميط..» خلافا للواقع في إسرائيل بشكل عام، وفي تل أبيب على وجه الخصوص. فالمنع، يقتصر إجمالا، على مطاعم الكشير (الحلال). ويمكن تناول الجمبري (القريدس) وغيره من «ثمار البحر»، في مطاعم عدة في تل أبيب ويافا وغيرها من المدن. أما مجتمع تل أبيب، فيضم شخصيات يهودية تلتقي في مطاعم ومقاه، تسود فيها أجواء عربية دافئة وحميمة، تظللها روح مصرية خفيفة الدم «مهضومة». صور لفنانين مصريين على الجدران.. ليلى مراد تغني «اطلب عيني»، ومجتمع أهله «بيموتو ف أم كلثوم»، ويسمعونها أكثر مما تسمعها مصر.

هذا التصور الذهني عن الحياة اليومية في تل أبيب، وفي إسرائيل عموما، أوقع المؤلف يوسف معاطي وفريق العمل في عدد كبير من الأخطاء التي ستزداد مع المزيد من عرض حلقات المسلسل.. لا جالية مصرية في تل أبيب، ولا يوجد حتى تجمع أو مقاه ليهود مصريين بالتفاصيل التي ذهب إليها المسلسل. بعض ما شاهدناه، أو ما يشبهه، يمكن العثور عليه في مناطق أخرى حيث يوجد يهود عراقيون. وهؤلاء، يستمعون إلى الأغاني العراقية، ولهم مغنون من بينهم.. فيما آخرون كاليمنيين يستمعون إلى أغان يمنية يهودية. وإجمالا، يقوم مغنون يهود من أصول عربية بوضع كلمات عبرية للأغاني العربية. ويبقى هذا وغيره صحيحا بدرجة ما في إطار مناسبات معينة، وقطعا ليس مشهدا مألوفا في تل أبيب.

كل هذا ليس مستغربا، ما دام أنه لا مؤلف العمل ولا مخرجه ولا أي من القائمين عليه، زار تل أبيب أو حتى مر بها ولامس طبيعة الحياة فيها مباشرة. وهذا أمر مفهوم ومقدرة أسبابه بالتأكيد. لكنه لا يؤهل هذا الفريق لخوض مغامرة فنية سياسية كهذه، في مدينة لا وجود لها إلا في المسلسل. مدينة يتجول فيها ناجي عطا الله كما يتجول في حارة مصرية بين أصدقائه وأبناء جلدته.. يعرفهم فردا فردا، من أعضاء الشاباك إلى باعة الخضراوات والسمك ورواد المقاهي وأصحابها وغيرهم.. يشاكسهم «الزعيم» ويمازحهم بأريحية ابن بلد أقام الدهر بينهم.. يلقي عليهم النكات التي تسخر منهم حد الإهانة، ويضحكون ببلاهة.. اليهود من أكثر «الشعوب» حبا للنكتة والكوميديا عموما، وحتى لـ«التنكيت» على أنفسهم، لكنهم الأكثر حساسية للنكتة أيضا، حين تأتي من الآخر.

فنيا، يخلو المسلسل، من أي جهد حقيقي، ويكاد ينعدم في حلقاته عنصر التشويق. وما سيأتي من حلقات لاحقا، يصلح لتسلية أطفال الحضانة. وفي حين كشفت الحوارات بين «فلسطينيي المسلسل»، عن جهل فاضح باللهجات، أظهر القائمون عليها فشلا مخجلا في نقل صورة الواقع السياسي والاجتماعي في غزة، وأخطأوا في تعريف جغرافيا المكان وسكانه وعالمه (مرتفعات صخرية في قطاع غزة، وهو شريط زراعي ساحلي لا يعرف المرتفعات).. أشجار ذات أوراق صنوبرية يمكن أن نراها في جبال لبنان وترودوس في قبرص.. مخيم استعار شكله وتفاصيله القليلة من قرى ليست فلسطينية على الأقل.. ملابس وأزياء تقليدية قديمة منقرضة، غزاويات يمكن أن نجدهن في هاواي، على رأي أحد أصدقاء «فيس بوك».

وإذا كانت الكوميديا تستدعي تجاوز منطق الأشياء، وتنتعش من المفارقة والمبالغات، وتلجأ للسخرية وسيلة لتعرية مجتمع ما أو كشف بعض مظاهره السلبية، فإنها لا تبرر الأخطاء، ولا يجوز لها الاستهانة بذكاء المشاهد، أو «استهباله» إلى حد تقديم شخصية مثل رافي دافيدوفتش، (أحد أعظم ثلاثة خبراء اتصالات وكومبيوتر في العالم) حسب ما يخبرنا ناجي عطا الله، مسؤولا وحده عن وضع النظام الأمني لبنك «ليئومي» وتفاصيله. ولا أظن أن عاقلا يصدق أن مؤسسة بنكية ضخمة كهذه (البنك الوطني في إسرائيل)، تضع كامل أسرارها الأمنية في حوزة موظف، تجعله المؤتمن الوحيد عليها.

ومع ذلك، لا يفارقنا التهريج، ولا تتخلى الخطابية والشعارات عنا أبدا. فيقدم لنا المسلسل، مشاهد تخلت عنها حتى الأفلام والمسرحيات المصرية الهابطة. فنرى «الدبلوماسي» ناجي عطا الله، في مكتب مدير فرع مصر في الخارجية الإسرائيلية، الذي استدعاه للاستفسار منه عن تصريحات له اعتبرت معادية لإسرائيل، وقد تحول إلى ابن شارع «صايع، ضايع، امقطع اموصل». ونستمع له «يشخط» و«ينخط» في المدير بعنترية فارغة: «.. دنا صايع.. أنا ح وريكو يا حرامية يا نصابين يا ولاد الكلب».

وتصل الفهلوة و«الألبنضة الدرامية»، ومعها «النضالية»، إلى مستوى استعراضي آخر، حين يقدم عطا الله، زميله الملحق الإعلامي الجديد في السفارة المصرية، جمال عبد الناصر (لاحظ التسمية): «أهو دا اللي ح يوريكو يا ولاد الكلب». (هل هذه محاولة لانتساب معنوي من عادل إمام لزمن يراه مضيئا، أم للمشهد علاقة بموقف عادل أمام السلبي من ثورة 25 يناير؟!) لا تنتهي الأمور عند هذا الحد. فناجي عطا الله، يخطط لدخول بنك «ليئومي» من بناء مجاور. تبدأ العملية بقفز أحد أعضاء فرقته إلى سطح مبنى البنك من على سطح بناء مجاور يبعد ثمانية أمتار. وعلى حد علمي، لا توجد بناية مجاورة لبنك «ليئومي» تبعد عنه ثمانية أمتار. والمسافة بينه وبين أقرب مبنى مجاور، لا تقل عن 24 مترا. كما أنه ليس في علمي، أو علم أحد من سكان غزة، أن هناك أنفاقا بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية، يبلغ طولها 9 كيلومترات، كالتي عبرها ناجي عطا الله وفرقته. والأنفاق في رفح، تتراوح عادة، بين 300 و600 متر طولا.

أما دور ناجي عطا الله نفسه، فلا يليق بعادل إمام، ولا بتاريخه الذي تربع فيه سنوات طويلة على عرش الكوميديا. اليوم تجاوز الزعيم السبعين عاما، ولا تناسبه قيادة فريق شاب فتي، يتدرب ليل نهار من أجل مهمة تتطلب حيوية وقدرات جسدية، والانتقال على حبل يُمد بين بناءين.

عادل إمام، لم يشخ وحده، بل سبقته حركاته وقفشاته و«إفيهاته» إلى شيخوختها. أما النكات والقفشات التي يطلقها، والحركات التي يقوم بها، فكلها مكررة، وجديدها غير مبتكر، وبعضه منشور على الإنترنت، وأشبعه «فيس بوك»، نقلا وتوزيعا.

Comments are closed.