لماذا يجب على الجيل الفني في الدراما السورية أن يعيد التجارب الناجحة في التمثيل واختيار الشخصيات الفنية بنسخ هزيلة، تُفقد متعة الخصوصية للتجربة الأصلية؟ والحجة هي الضمانات السابقة التي أنتجها رأي المشاهد، ضمانات قائمة أساساً على أزمنة وأشخاص مختلفين، كانوا فيما مضى أصحاب بصمة خاصة ‘أيام عزهم’، أمّا الآن فلا وقت لتكرار هذا ‘العزّ’ بنفس المعايير الفنية والهوية الإبداعية المنتشرة على الشاشة الرمضانية على طول المائدة الاستهلاكية للوقت والثقافة والتفكير كما نرى في طبعة دراما 2012 السورية.
مع تزايد المحسوبيات والواسطات في اختيار طلاب جدد للمعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق، تزداد أسهم أبناء الممثلين النجوم وأنصاف النجوم وربما الكومبارس، وأبناء كتاب الدراما والمخرجين وبعض أبناء الوسط الثقافي (الرسمي) نجدهم هكذا بالكيلو والشوال، مع مراعاة أن قلة قليلة من الطلاب دخلوا بمجهودهم إلى المعهد، لكن ما يهمنا هم أولئك العاهات المقحمين في إنتاجات الدراما السورية وأحياناً العربية كأنهم نجوم من الصف الأول، لا أدري أي قيم معرفية وتقييمية يتمتع بها المنتج الحاصل على (شهادة تعليم ابتدائي) كي يختار هؤلاء من (الممثلين) ليصبحوا فيما بعد (نجوماً) أغلبهم لم يعمل على خشبة المسرح أو عاش هذا الهاجس لسنوات كي ينضج فنياً، والبقية لا يقرأ أحدهم كتاباً في الشهر! هكذا هي ثقافة الإقصاء في المشهد الثقافي السوري، كيف إذا كان الأمر متعلقاً بالنجومية والأضواء؟ فيجبر المشاهد هنا أن يرى عائلة فنية كاملة على الشاشة، أو كاست عمل فني من نفس الجذور العائلية في أكثر من عمل تحت اسم (شركة أو فريق عمل فني) عملية إعادة إنتاج فنية ممسوخة، تقدم كل عام بمقترحات كتابية متشابهة تنأى عن الواقع السوري، وتذهب نحو قضايا يمكن أن يطالعها الفرد في أي قصة من (روايات عبير) وهي روايات تمرّن على القراءة وفيها بعض التشويق والخيال للناشئة، المهم هنا أن يطلع المشاهد قبل كل شيء على هذا المنتج البصري الذي قد يصيبه بديمومة الاستهلاك والفراغ الفكري، ولكن على من يعتب المشاهد إذا أصبح ابن الممثل أو الممثلة الفلانية نجماً شاباً وهو يعيد صورة والديه كما هي دون زيادة أو نقصان، وكيف ستصبح الصورة مختلفة بمقولتها وخارج النمطية السائدة إذا كان المخرج ‘أو المخرجة’ يعيد تجربة والده المخرج المشهور بحذافيرها؟
اللوغو الفني في الدراما السورية يفقد خصوصيته مع ازدياد أخطاء الإقصاء وتكافؤ الفرص للنجوم الجدد، وإعادة إنتاج المستهلك بأردأ ما يمكن، في الوقت الذي تغيب رقابة التقييم الجدية، والأخذ بعين الاعتبار أن الدراما السورية محاربة، هذه الكذبة الكبيرة التي سمحت لكل من هبّ ودبّ أن ينتج ويكتب ويمثل كماً هائلاً من الكآبة كما في مسلسل (الولادة من الخاصرة ج2) إعادة إنتاج النص الأول بجرعة أكثر هشاشة عن باطن المجتمع السوري وبمبالغات تجارية تجعل العمل يطير من فضائية لأخرى، أو أن نشاهد هرجاً مبتذلاً يتلفز النكتة مرة جديدة كما في السلسلة الكوميدية العجوز مسلسل (بقعة ضوء9) كالعادة كاتب واحد يشرف على كل النصوص لتخرج اللوحات الدرامية ذات نفس واحد لا تحمل مقولة مختلفة للكوميديا بقدر ما تقدم تهريجاً معاداً! حتى الجو الدراسي الذي اعتبره البعض ملفتاً، تشعبت خطوطه وضاعت قصته في فضاء تجريبي لم يعد يعرف ماذا يريد الكاتب أو المخرج أو حتى الممثل كما في مسلسل (أيام الدراسة ج2) وهنا مربط الفرس، يطل علينا من خلال هذا العمل مجموعة من الممثلين الشباب الذين يمكن أن نستثني منهم خمسة أو ستة لهم بصمتهم الخاصة، أما ما تبقى من شباب فرضتهم علينا وساطاتهم في المشهد الدرامي العام والكواليس الخلفية التي تنتج ممثلاً سورياً إمّا عبر علاقته بالنص، كأن يكون كاتباً لا يمتلك مقدرات مقنعة على التمثيل، أو أن يكون ابن ممثل ولوالده مكانة خاصة لدى المنتج أو المخرج لا يمكن إلا أن يضعه ممثلاً في الصف الأول رغم محدودية تجربته.
لا أبحث عن مقولة فكرية في (أيام الدراسة ج2) بل عن جديد في مدى ضرورة إنتاج جزء ثانٍ، لا تهمني كمشاهد قصة مسلسل (أرواح عارية) وجماليات شخوصها على الشاشة، إذ يمكن أن أجد مثلها كثيراً في صفحات المدونات الإلكترونية صوراً ونصاً وفيديو، كما أن حكاية مسلسل (عمر) بإنتاجها الدرامي الضخم وفيضان نجومها ‘الكبار’ عربياً وسورياً قد تلفتني بسبب هذه الإمكانات الضخمة لقصة يمكن أن تقدم كفيلم بشكل أكثر ذكاءً وجدية واختزالاً، المشكلة أن صناع الدراما السورية يستغبون المشاهد إلى أبعد حد والسوري خصوصاً، ويستثمرون الظروف بقوة لترويج بضائعهم حتى لو كانت فاسدة ومنتهية الصلاحية. بممثلين أنصاف مواهب، أو بكتاب لا تشفع لهم سيرتهم الذاتية أن يكتبوا بعد الآن شيئاً إلا حول أحوالهم العاطفية والتحليلية الشاملة للوضع وملحقاته على صفحات فيسبوك!!
الإبهار وحده لا يصنع للدراما السورية منعطفاً فنياً يمكن أن نتحدث عنه هذا العام، فالدراما بعيدة عن الواقع السوري كلياً، ولم تنتبه لما تعيشه البلاد، لعل بعض الفساد المستشري هنا جعل من أبناء الممثلين والفنانين وأقربائهم محور هذا الحديث، نراهم عاهات فرضت على المشاهد المسكين الذي يبحث عما يبعد عنه الموت في شاشات غفل أنها لا تحترم عقله وتقدس تخريبه وإشغاله عن تطويره حتى ولو مسلسل كل يوم..!
Next Post
Comments are closed.