ملف كامل عن السكتة القلبية المفاجئة .. أسبابها ووسائل تفاديها

  تنتج إضطرابات نظم القلب عن نشاط كهربائي غير طبيعي في القلب، وتحدث في أي مرحلة من عمر الإنسان، وهي تُشكل السبب الرئيسي في وفاة ملايين الأشخاص حول العالم.

وقد أظهرت الدراسات أن واحداً على الأقل من أصل أربعة أشخاص يتعرض لخلل محتمل وقاتل في نظم القلب، وأن نحو 250000 حالة وفاة تنتج عن «توقف القلب المفاجئ»، وهي حالة تحصد حياة شخص كل دقيقتين، وتتسبب في وفاة أشخاص أكثر مما يتسبب به سرطان الثدي، سرطان الرئة، أو مرض فقدان المناعة المكتسب، وبالإمكان تدارك عواقب «توقف القلب المفاجئ» إذا تمت معالجته خلال دقائق، لكن العلاج الفعال الوحيد يكمن في إستخدام الصدمات الكهربائية، إما عن طريق مزيل الرجفان الخارجي الآلي أو بواسطة مزيل الرجفان المزروع في القلب.

وقد أثبتت التجارب فعالية مزيل الرجفان المزروع في القلب في معالجة 98 في المائة من حالات تسارع القلب اللانظمي الخطيرة التي يمكن أن تتسبب في «توقف القلب المفاجئ»، ومزيل الرجفان المزروع في القلب هو جهاز إلكتروني يراقب نظم القلب بشكلٍ مستمر، وعندما يرصد الجهاز تسارعاً مفرطاً وغير طبيعي في نظم القلب، يقوم فوراً بمد عضلات القلب بالطاقة، مما يعيد إلى القلب مجدداً حالة الخفقان الطبيعية.

وفي المملكة العربية السعودية، صرَّح الدكتور عبد المحسن المساعد رئيس جمعية نظم القلب السعودية ورئيس وحدة كهرباء القلب بمدينة الملك عبد العزيز الطبية للشؤون الصحية بالحرس الوطني بالرياض بأن عدد عمليات زرع مزيل الرجفان في القلب يُقدَّر بـ800 عملية في السنة، مما يعني 30 عملية زرع لكل مليون شخص إستناداً إلى عدد سكان المملكة البالغ 27 مليون نسمة، وبالمقارنة مع الأرقام المُسجلة في الولايات المتحدة الأميركية، فإن نسبة عمليات زرع مزيل الرجفان في القلب في المملكة تقل بكثير عن عدد العمليات المماثلة في الولايات المتحدة والبالغة 600 عملية زرع لكل مليون نسمة.

أما عن اضطراب كهربائية القلب فهي مشكلة في معدل إيقاع ضربات القلب، حيث تصبح ضربات القلب سريعةً جداً أو بطيئةً جداً أو ذات إيقاعٍ غير منتظم، ومعظم اضطرابات النظم القلبي غير مؤذية، ولكن بعضها يمكن أن يكون خطيراً أو مهدداً للحياة، فقد لا يكون القلب قادراً على ضخ ما يكفي من الدم إلى الجسم، فينقص تدفق الدم ويؤدي إلى تلف الدماغ والقلب وأعضاء أخرى.

ولفهم اضطراب النظم القلبي يجب فهم النظام الكهربائي الداخلي للقلب، الذي بدوره يسيطر على معدل ضربات القلب وإيقاعها، فمع كل نبضة قلب، تمتد الإشارة الكهربائية من أعلى القلب إلى أسفله. وعند انتقال الإشارة، تؤدي إلى إنقباض القلب وضخه للدم، وإن حدوث أي مشكلةٍ في أي جزءٍ من هذه العملية يمكن أن يتسبب بإضطراب النظم القلبي.

وهناك أنواعٌ كثيرةٌ من اضطراب النظم القلبي، ومع أن معظم اضطرابات النظم القلبي غير مؤذية، إلا أن بعضها يكون عكس ذلك، وتعتمد التوقعات بالنسبة للشخص الذي يُعاني من اضطراب النظم القلبي على نوع اضطراب النظم القلبي وخطورته، وغالباً ما يمكن علاج اضطرابات النظم القلبي الخطيرة بنجاح، ومعظم الأشخاص الذين يعانون من هذا الاضطراب قادرون على العيش حياة طبيعية وصحية.

أما عن السكتة القلبية فإنها توقف مفاجئ وغير متوقع للقلب عن الخفقان، وفي هذه الحالة يتوقف تدفق الدم إلى الدماغ والأعضاء الحيوية الأخرى. وعادة ما تؤدي السكتة القلبية المفاجئة إلى الوفاة إذا لم تتم معالجتها في غضون دقائق.

وتختلف السكتة القلبية المفاجئة عن النوبة القلبية، فالنوبة القلبية تحدث إذا توقف تدفق الدم إلى جزء من عضلة القلب، وفيها لا يتوقف القلب عادة عن الخفقان فجأة، غير أن السكتة القلبية المفاجئة قد تحدث بعد التعافي من النوبة القلبية أو أثناءها.

وأكثر الأشخاص عرضة للسكتة القلبية المفاجئة هم الذين يعانون من أمراض القلب، غير أن السكتة القلبية المفاجئة يمكن أن تحدث لدى الأشخاص الذين يظهرون بصحة جيدة ولا يعانون من أمراض القلب المعروفة أو عوامل السكتة القلبية المفاجئة الخطرة الأخرى.

وغالبا ما يموت معظم الأشخاص الذين يتعرضون للسكتة القلبية المفاجئة في غضون دقائق، ما لم يتم التدخل السريع بإستخدام جهاز إزالة الرجفان (منقذ الحياة)، وهو جهاز يقوم بإرسال صدمة كهربائية إلى القلب في محاولة لإعادة إيقاعه إلى وضعه الطبيعي.

ويمكن للمارة إستخدام أجهزة إزالة الرجفان الآلية الخارجية لإنقاذ حياة الأشخاص الذين يتعرضون للسكتة القلبية المفاجئة في الأماكن العامة التي غالبا ما تكون هذه الأجهزة المحمولة فيها.

ولا تزال الدراسات قائمة في محاولة لاكتشاف الأسباب الحقيقية للسكتة القلبية المفاجئة وكيفية الوقاية منها، ومن الأسباب:
* الرجفان البطيني (أحد أنواع اضطراب النظم القلبي) هو السبب الرئيسي للسكتة القلبية المفاجئة في أغلب الأحيان، وخلاله لا يقوم البطينان (الحجرتان السفليتان للقلب) بالخفقان بشكل طبيعي، وبدلا من ذلك يقومان بالإرتجاف بسرعةٍ كبيرةٍ وبشكلٍ غير منتظم، مما يجعل القلب يضخ كمية ضئيلة أو معدومة من الدم إلى الجسم، وقد يكون الرجفان البطيني قاتلاً إذا لم يُعالج في غضون بضع دقائق.

* مشاكل أخرى في النظام الكهربائي للقلب، كأن يصبح معدل الإشارات الكهربائية للقلب بطيئاً جداً ويتوقف، كذلك إذا لم تستجب عضلة القلب للإشارات الكهربائية للقلب.

* أمراض تسبب مشاكل في كهرباء القلب، مثل مرض القلب أو الشريان التاجي والإجهاد البدني الشديد وبعض الإضطرابات الوراثية والتغيرات الهيكلية في القلب.

* الإجهاد البدني، ويمكن لأنواع معينة من الإجهاد البدني أن تؤدي إلى قصور النظام الكهربائي للقلب، فأثناء النشاط البدني الشديد يتم إطلاق هرمون الأدرينالين الذي يمكنه أن يؤدي إلى حدوث السكتة القلبية المفاجئة لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في القلب، كما يمكن أن تتسبب المستويات المنخفضة جداً من البوتاسيوم أو المغنيسيوم في الدم، إذ تلعب هذه المعادن دوراً هاماً في الإشارات الكهربائية للقلب، كما يتسبب في الحالة فقدان كميات كبيرة من الدم أو حدوث نقص حاد في الأكسجين.

* الإضطرابات الوراثية، بعض الأسر لديها إستعداد لحدوث إضطرابات النظم القلبي، وهذا الإستعداد يكون موروثاً، أي أنه ينتقل من الآباء إلى الأبناء عن طريق الجينات، فيصبحون أكثر عرضة لحصول السكتة القلبية المفاجئة.

الأشخاص المعرضون للسكتة القلبية:
* يزيد خطر الإصابة بالسكتة القلبية المفاجئة مع تقدم العمر.

* وجود أمراض قلب كامنة كقصور القلب.

* حدوث نوبة قلبية سابقة.

* تعاطي المخدرات أو الكحول.

* وجود تاريخ شخصي أو عائلي للسكتة القلبية المفاجئة، أو الاضطرابات الوراثية، أو اضطراب النظم القلبي.

* الرجال هم أكثر عرضةً للإصابة من النساء بنسبة مرتين إلى ثلاث مرات، ونادراً ما تحدث السكتة القلبية المفاجئة للأطفال إلا إذا ورثوا مشاكل تجعلهم عرضة لها.

أعراض السكتة القلبية:
* عادة ما تكون العلامة الأولى للسكتة القلبية المفاجئة فقدان الوعي (الإغماء)، وفي الوقت نفسه لا يمكن الشعور بضربات القلب (أو النبض).

* قد تتسارع نبضات قلب بعض الأشخاص أو يشعرون بالدوار أو خفة في الرأس قبل أن يغمى عليهم بقليل.

* قبل ساعة على حدوث السكتة القلبية المفاجئة، قد يشعر بعض الأشخاص بآلام في الصدر أو ضيق في التنفس أو الغثيان أو التقيؤ، وغالباً ما يتم تشخيص السكتة القلبية المفاجئة بعد حدوثها بإستبعاد الأسباب الأخرى لإنهيار الشخص بشكلٍ مفاجئ، حيث إنها تحدث دون سابق إنذار، ونادراً ما يتم التشخيص من خلال الفحوصات الطبية عند حدوثها.

وإذا كنتِ معرضةً بشكلٍ كبيرٍ للإصابة بالسكتة القلبية المفاجئة، فإن طبيب القلب هو المعني بحالتكِ والتشاور معك بشأن ما إذا كنت بحاجة إلى علاج لمنع حصول السكتة القلبية المفاجئة، وقد يحيلك إلى طبيب قلب متخصص في مشاكل النظام الكهربائي للقلب (اختصاصي فسيولوجيا كهرباء القلب).

ويلجأ الأطباء إلى سلسلة من الإختبارات للمساعدة على الكشف عن العوامل التي تعرض الأشخاص لخطر الإصابة بالسكتة القلبية المفاجئة، منها:
* تخطيط القلب الكهربائي: وهو إختبار بسيط غير مؤلم يقوم بالكشف عن النشاط الكهربائي للقلب وتسجيله، ويبين الإختبار مدى سرعة نبضات القلب وإيقاعه (ثابت أو غير منتظم)، كما يسجل قوة وتوقيت الإشارات الكهربائية عند مرورها عبر كل جزء من أجزاء القلب، ويمكن لهذا الإختبار أن يدل على تضرر القلب بسبب مرض القلب التاجي، وأن يظهر دلائل على وجود نوبة قلبية سابقة أو حالية.

* تخطيط صدى القلب: هو إختبار غير مؤلم يستخدم الموجات الصوتية لخلق صور للقلب، يبين حجم وشكل القلب وما إذا كانت حجيرات القلب وصماماته تعمل بشكل جيد، كما يمكنه تحديد المناطق التي يكون فيها تدفق الدم إلى القلب ضعيفاً والمناطق في عضلة القلب التي لا تنقبض بشكلٍ طبيعي والإصابات السابقة في عضلة القلب الناجمة عن ضعف تدفق الدم.

* تخطيط صدى القلب تحت الإجهاد: يُجرى هذا الإختبار قبل إختبار إجهاد القلب وبعده، وخلال هذا الإختبار يُمارس المريض التمارين (أو يتم إعطاؤه دواء إذا كان غير قادر على ممارسة التمارين) لزيادة جهد القلب وتسريع نبضاته، وهو يُظهر ما إذا كان هناك إنخفاض في تدفق الدم إلى القلب (يدل على مرض القلب التاجي).

* تصوير القلب بالرنين المغناطيسي: هو إجراء آمن يستخدم موجات الراديو والمغناطيس لخلق صور مفصلة عن القلب، ويخلق الإختبار صوراً ثابتةً ومتحركةً للقلب وللأوعية الدموية الرئيسية، ويُستخدم هذا الإجراء للحصول على صور للقلب النابض ولمشاهدة بنية القلب ووظيفته.

* قسطرة القلب: هي إجراء يستخدم لتشخيص وعلاج أمراض قلب معينة، ويتم وضع أنبوب مرن رفيع طويل يسمى قسطرة في أحد الأوعية الدموية في الذراع أو أعلى الفخذ أو العنق ويربط بالقلب، وهو يُمكِّن الطبيب من القيام بإختبارات تشخيصية وعلاجات للقلب، ويتم أحيانا وضع صبغة في القسطرة، تتدفق عبر مجرى الدم إلى القلب، تبين الشرايين التاجية من خلال صور الأشعة السينية، ويمكن للصبغة أن تظهر ما إذا كانت اللويحة قد تقلصت أو أعاقت أياً من الشرايين التاجية.

* دراسة الفسيولوجيا الكهربائية، في دراسة الفسيولوجيا الكهربائية يستخدم الأطباء قسطرة القلب لمعرفة كيف يستجيب نظام القلب الكهربائي لبعض الأدوية وللتحفيز الكهربائي، وهذا يساعد على اكتشاف مكان تلف النظام الكهربائي للقلب.

* إختبارات الدم: وهي توضح مستويات البوتاسيوم والمغنيسيوم والمواد الكيميائية الأخرى في الدم والتي تلعب دوراً هاماً في إشارات القلب الكهربائية.

ولعلاج السكتة القلبية المفاجئة:
* أولاً: العلاج الطارئ .. حيث تُعتبر السكتة القلبية المفاجئة من الحالات الطارئة، فالشخص المصاب يحتاج إلى المعالجة بجهاز إزالة الرجفان على الفور، الذي يرسل صدمة كهربائية إلى القلب، لتعيد النبض الطبيعي إلى القلب الذي توقف عن الخفقان. ولكي يكون فعالاً يجب أن يتم إستخدام جهاز إزالة الرجفان في غضون دقائق من حصول السكتة، فمع كل دقيقة تمر تقل فرص البقاء على قيد الحياة.

وعادةً ما يتم تدريب الشرطة وفنيي الطوارئ الطبية وغيرهم من المستجيبين الأوائل وتجهيزهم لإستخدام جهاز إزالة الرجفان، ويجب الإتصال برقم الطوارئ على الفور في حال ظهور علامات أو أعراض السكتة القلبية المفاجئة.

ويُمكن إستخدام «أجهزة إزالة الرجفان الآلية الخارجية» من قبل المارة غير المدربين، وهي غالباً ما تكون موجودة في الأماكن العامة، مثل مراكز التسوق والملاعب والشركات والمطارات والطائرات والكازينوهات ومراكز المؤتمرات والفنادق والملاعب الرياضية والمدارس، وتكون مبرمجة لإرسال صدمة كهربائية في حالة إضطراب النظم القلبي الخطير مثل الرجفان البطيني.

* ثانياً: العلاج في المستشفى .. إذا بقي المريض على قيد الحياة بعد تعرضه لسكتة قلبية مفاجئة، سوف يتم نقله إلى المستشفى لتلقي الرعاية المستمرة والعلاج، حيث يقوم الفريق الطبي بمراقبة القلب عن كثب، وإعطاء الأدوية في محاولة للحد من خطر حصول سكتة قلبية مفاجئة أخرى.

كما يُحاول الفريق الطبي معرفة سبب حصول السكتة القلبية المفاجئة، وإذا تم تشخيص مرض القلب التاجي، فقد يتوجب القيام بعملية لرأب الأوعية أو جراحة مجازات الطعوم التاجية، وتساعد هذه الإجراءات على إعادة تدفق الدم عبر الشرايين التاجية الضيقة أو المسدودة، وفي كثير من الأحيان، يتم غرس جهاز إزالة الرجفان للمريض للسيطرة على اضطرابات النظم القلبي الخطيرة.

كيف يمكن تفادي الوفاة بسبب السكتة القلبية المفاجئة؟
يُقلل جهاز إزالة الرجفان من فرص الوفاة جراء السكتة القلبية المفاجئة، ويُغرس جراحياً تحت الجلد في البطن أو الصدر لمراقبة نبضات القلب من خلال أسلاك ذات أقطاب كهربائية متصلة بحجيرات القلب، فإذا تبين للجهاز وجود نبضات قلب غير طبيعية وخطيرة، يُرسل صدمة كهربائية لإعادة إيقاع القلب إلى طبيعته، وقد يعطي الطبيب دواءً للحد من عدم إنتظام نبضات القلب التي يمكن أن تؤدي إلى تفعيل جهاز إزالة الرجفان المغروس.

Comments are closed.