عند ”الحاج محمد”.. الدبّاغ ”سبع صنايع”

خلف سور مجرى العيون.. هناك.. حيث يمكنك ان ترى من الوهلة الاولى ”عالم مختلف” عن الحياة امام السور، عمل شاق في هدوء.. وجدية ظاهرة على الوجوه.

كميات كبيرة من الجلود، حجرات صغيرة و”محلات” منتشرة في المنطقة تعرض ملابس جلدية، بجانب مبان أكبر حجماً تتسع لعدد اكبر من الوجوه ”الجادة”.. كل ذلك يشكل الصورة الكاملة ” للمدبغة”.

قد يوحي لك الاسم – خاصة إذا لم تكن من المترددين على المنطقة – أنها مبني واحد فقط، لكن ”المدبغة” الممتدة بمحازاة سور مجرى العيون بمنطقة السيدة زينب هى شوارع كثيرة متفرعة، في كل منها مبان تحمل اسم ”مدبغة” متبوع باسم صاحبها .

وفي إحدى تلك الشوارع، جلس ”محمد إبراهيم” على مكتبه بـ”المدبغة” التي عمل بها منذ كان عمره 13 عاماً؛ حيث كان يأتي إليها مصاحباً لوالده صاحب هذه ”المدبغة” التي تعتبر من أقدم وأشهر ”المدابغ”.

ورث ”إبراهيم” المهنة ومعها ”المدبغة” التي لا تحمل اسمه فقط ”مدبغة محمد إبراهيم”، بل أيضاً حبه وإخلاصه لها منذ كان صبياً وحتى بعد مرور اثنين وخمسون عاماً، فعلى الرغم من حصوله على شهادة بكالوريوس التجارة من جامعة عين شمس، إلا أن كل ما تعلمه عن دباغة الجلود كان في مكانه هذا داخل ”المدبغة”.

والدباغة بالنسبة” لإبراهيم” ما هي إلا ” فن ومزاج”، وإن كان العامل بهذه المهنة صاحب” سبع صنايع”.

”الدباغّ.. هو تاجر ماهر، وكيميائي، وبيولوجي، وبيطري، وميكانيكي، ومثقف”.. هكذا يحدثك ”إبراهيم” عن صاحب هذه المهنة الذي لا يمكن أن يكون ”شاطر” إلا توافرت فيه هذه المهارات.

فهو تاجر لكي يعرف كيف يسوق بضاعته، ويعرف معلومات جيدة عن المواد الكيماوية التي تستخدم فى الدباغة ونسبها، وبيولجي يعرف معلومات عن تأثير نسب الكيماويات المستخدمة فى دباغة الجلود على الأشخاص الذين سيستخدمونها.

أما كونه بيطري ليعرف طبيعة جلود ”الماشية” المستخدمة والأمراض التي يمكن أن تصيبها وبالتالي تؤثر على ”الدباغة” وليصل إلى مرحلة التعامل مع ماكينات ”الدباغة” التي تتطلب منه أن يكون ”ميكانيكي” يعرف كيف يتعامل معها، وأخيراً معلومات عامة تجعله مُلم بكل ما يدور ويتعلق بمهنته.

وبصوت الخبير يحدثك عن اختلاف نوع جلود ما قد تشتريه من حذاء أو حقيبة، والتي لا يختلف تسميتها عن ”المدبح”؛ فهناك الجلد البقري، والجاموسي، والضاني، والجملي، والماعز وهو أقل أنواع الجلود جودة.

ويختلف التعامل مع كل نوع حسب المنتح المراد من تصنيعه، فالجلود التي تستخدم لصناعة ”حقيبة” غير المستخدمة لصناعة الأحذية أو الملابس؛ وربما لم تتوقع أن تلك الحقيبة أو ذلك الحذاء ذي الجلد الطبيعي الذي تشتريه، لها 1000 طريقة وطريقة لدباغة جلدها؛ هذا ما أكده ”إبراهيم” طالباً عدم الاندهاش؛ فالجلد ذاته قبل أن يصل إليك له رحلته المتعددة المراحل .

أما بالنسبة للعيد؛ حيث ”موسم الذبح”، وبالتالي الكثير من الجلود، فهو على خلاف العديد من المهن بالنسبة لـ” إبراهيم” لا يعد موسما، بل كل ما في الأمر هو زيادة عدد القطع التي يتم دباغتها لا أكثر ولا أقل، وتحديد أسعار الدباغة التي تختلف من عام لآخر، وذلك  قبل العيد بيومين أو ثلاثة على الأكثر.

المصدر: مصراوي

Comments are closed.